Anti-Military-RuleFreedom & Democracy

المصيّدة كيف حوّلت السلطة في مصر المطارات إلى أفخاخ لاصطياد المعارضين

تحويل المطارات إلى كمائن أمنية لاصطياد المعارضين السياسيين

في تقرير وثائقي بثّته قناة “مكملين” بعنوان المصيدة، كُشف النقاب عن واحدة من أكثر استراتيجيات النظام المصري خطورة وخرقًا لحقوق الإنسان، وهي تحويل المطارات إلى كمائن أمنية لاصطياد المعارضين السياسيين، سواء العائدين من الخارج أو أولئك الذين يسافرون لحضور فعاليات حقوقية أو نشاطات سلمية. يعرض التقرير مجموعة من الحالات التي تمثل نمطًا متكررًا من الانتهاكات، يهدف إلى إسكات كل من يحاول رفع صوته خارج الخطوط المرسومة من قبل السلطة.

المطارات من بوابات سفر إلى منصات اعتقال

لطالما اعتُبرت المطارات في العالم رمزًا للحركة والانفتاح، ولكن في مصر، تحولت هذه المرافق إلى نقاط تقطيع شرايين المعارضة. فبدلًا من أن تكون بوابات عبور، أصبحت أفخاخًا أمنية تعمل على أساس المراقبة المسبقة والتعقب المنهجي للمعارضين، حتى لو لم يرتكبوا أي جريمة واضحة أو يتورطوا في أي نشاط عنيف. يكفي أن تكون معروفًا بموقفك السياسي المعارض حتى تصبح عرضة للاعتقال.

حالات واقعية: من المنوفية إلى جنيف والعودة إلى الزنازين

من أبرز القصص التي تضمنها الوثائقي كانت قصة حسام المنوفي، وهو ناشط مصري مقيم في السودان، تم اعتقاله بعد أن استقل طائرة من الخرطوم إلى مطار الأقصر في يناير 2022. ما إن هبطت الطائرة، حتى كان ضباط الأمن بانتظاره، في عملية بدت مخططة بدقة، تشير إلى تنسيق أمني إقليمي يمتد إلى خارج حدود مصر.

قضية أخرى لا تقل مأساوية هي اعتقال إبراهيم متولي، المحامي والناشط في قضايا الاختفاء القسري، والذي ألقي القبض عليه في مطار القاهرة عام 2017 أثناء توجهه إلى جنيف للمشاركة في فعالية رسمية مع لجنة الأمم المتحدة المعنية بالمختفين قسريًا. في حادثة تحمل كل معاني المفارقة، الرجل الذي يمثل ضحايا الإخفاء القسري، تم إخفاؤه قسريًا هو نفسه.

استراتيجية الترهيب إخفاء ثم ظهور في زنازين التعذيب

ما يجمع بين معظم الحالات المذكورة هو النمط المتكرر: الاعتقال فور الوصول، الإخفاء القسري لفترات تتراوح بين أيام وأشهر، ومن ثم الظهور في إحدى السجون أو أمام النيابة بتهم معتادة مثل “نشر أخبار كاذبة” أو “الانضمام إلى جماعة محظورة”. هذه التهم الجاهزة، التي تستخدم في القضاء المصري كسلاح سياسي، تحوّلت إلى أداة لإعادة تدوير القمع ضد أي شخص يملك صوتًا أو رأيًا مختلفًا.

لكن الأكثر خطورة هو أن المطارات لم تعد فقط مكانًا للاعتقال، بل للتحقيقات غير القانونية والتعذيب النفسي والجسدي. تحدث بعض الضحايا في التقرير عن تعرضهم للتهديد، والحبس الانفرادي، والمنع من الاتصال بذويهم أو محاميهم، وهي ممارسات تخالف كل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المعتقلين.

الرسالة واضحة: لا ملاذ آمن حتى في الغربة

يؤكد التقرير أن الهدف من هذه “المصيدة” ليس فقط اعتقال أشخاص بعينهم، بل إيصال رسالة مروعة إلى المصريين في الخارج: لا أمان لكم حتى في المطارات، ولا عودة ممكنة دون الخضوع الكامل. النظام يراقب، يتابع، وينتظر لحظة عبوركم إلى “الكمين”.

في هذا السياق، يُذكر أن السلطات المصرية تمارس ضغوطًا على شركات الطيران، وتستخدم التعاون الأمني الإقليمي (خصوصًا مع دول مثل السودان، وتركيا، وحتى بعض الدول الأوروبية أحيانًا) لترحيل المعارضين أو تسهيل تسليمهم، بما يشكل انتهاكًا صارخًا لقوانين اللجوء والحماية الدولية.

غياب المساءلة وموت القانون

المخيف في هذه السياسة ليس فقط وجودها، بل استمراريتها بلا أي محاسبة أو تدقيق دولي جاد. النظام العسكري في مصر يتصرف وكأنه فوق القانون، مدعومًا ببيئة دولية تغض الطرف، سواء بسبب المصالح الاقتصادية أو الأمنية. لم تصدر أي جهة رسمية مصرية تفسيرًا قانونيًا لاعتقال إبراهيم متولي، ولم يُقدّم أي توضيح حول الطريقة التي اُعتقل بها حسام المنوفي.

حتى الجهات الحقوقية المحلية باتت شبه مشلولة، خائفة من مصير مشابه. القضاء، من جهته، فقد استقلاليته تمامًا، وبات يتصرف كامتداد للأجهزة الأمنية لا كجهة تحكيم بين المواطن والدولة.

لماذا يجب أن نهتم؟

إن ما يحدث في المطارات المصرية ليس شأنًا داخليًا فحسب، بل هو انتهاكٌ عالمي الطابع، يمس منظومة حقوق الإنسان كلها. فحين يصبح السفر خطرًا، وحين يُعتقل الناس لا لشيء إلا لأنهم يملكون رأيًا مخالفًا، فإن الصمت أمام ذلك ليس فقط تواطؤًا، بل مشاركة غير مباشرة في الجريمة.

التقرير الوثائقي “المصيدة” يسلّط الضوء على نموذج قمعي يجب فضحه، ومقاومته بكل الوسائل. فالمعارضة ليست جريمة، والتعبير عن الرأي لا ينبغي أن يكون سببًا للاعتقال أو الإخفاء أو التعذيب. وإذا صمت العالم عن هذه المصيدة، فلن تكون مصر وحدها من يدفع الثمن، بل كل المجتمعات التي تحلم بحرية حقيقية.

Ahmed Magdy

I am an Egyptian software engineer with a passion for history, psychology, and politics. I love my country and believe in freedom, aspiring to see Egypt great and prosperous. I aim to combine my technical expertise with my aspirations for societal progress and achieving freedom and prosperity for my nation.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى