Anti-Military-Rule

عندما يُصبح الكلام جريمة عن القمع وحرية التعبير في مصر

في بلدٍ اعتاد أن يبدأ نشيده الوطني بـ”بلادي بلادي”، لم تعد البلاد لنا، ولا حتى أصواتنا.
في مصر، أصبح القلم مُتهمًا، والميكروفون مُراقبًا، واللسان مربوطًا بحبال الخوف، لا بالأخلاق أو القانون. من لا يعرف الصمت، سيتعلّمه في الزنزانة.


بين رصاصة وكلمة

في وطني، الكلمة قد تُسقطك أكثر مما تسقطك الرصاصة.
لأن الرصاصة تقتل جسدك، لكن الكلمة تفضح قاتلك. وهذا ما لا يغفره النظام أبدًا.

حرية التعبير ليست مجرد مساحة للجدل السياسي، بل هي المرآة التي تكشف عفن السلطة حين تُصاب بفقدان البصر.
لكن المشكلة أن السلطة العسكرية لا تطيق المرايا. فهي تفضل أن ترى انعكاسها فقط في تقارير المخابرات، أو في شاشة نشرة التاسعة حيث كل شيء “تمام”.


مؤسسات لا تتحمل السؤال

مصر اليوم ليست فقط بلدًا بلا حرية إعلام، بل بلا حق في السؤال.
متى اختُطف فلان؟ لماذا فُصلت زميلتي من عملها؟ من الذي أصدر أمر الاعتقال؟
أسئلة تُعتبر تحريضًا. من يسأل، يختفي. ومن يُطالب بإجابة، يُتّهم بنشر أخبار كاذبة.

الحقيقة في مصر أصبحت مرادفًا للتهديد.
من يُطالب بالمعلومة، يهدد “الأمن القومي”.
ومن يُبدي تعاطفًا مع معتقل، يُعتبر “خائنًا للوطن”.


السجن على تغريدة

لدينا صحفيون في الزنازين لأنهم قالوا إن هناك تجاوزات في السجون.
ولدينا طلاب حُرموا من التخرّج لأنهم كتبوا منشورًا فيه رأي.
ولدينا باحثون فُقدوا ثم عادوا جثثًا لأنهم حاولوا الفهم أكثر مما ينبغي.

في مصر، “تويتر” أخطر من بندقية، و”فيسبوك” أقرب إلى حبل مشنقة.


لا فرق بين فنان وناشط

هل تظن أن الفن ملاذٌ آمن؟ لا.
الفنان الذي لا يرسم وفق المزاج الرسمي يُحاصر.
الكاتب الذي لا يُطرب السلطة بعبارات الوطنية الجوفاء يُمنع.
والممثل الذي يتحدث عن الحرية أو المسجونين، يُحذف من الشاشة بصمت.

في مصر، لا فرق بين ناشط حقوقي، وصحفي استقصائي، ومغني ثوري.
الجميع خصوم حتى يثبت ولاؤهم، أو يُسكت صوتهم.


لماذا يخافون من الحرية؟

الحرية تُربك الحاكم المستبد.
لأن الحاكم الذي لا يملك شرعية، لا يتحمّل النقد.
والذي يعتمد على البندقية، يخشى القصيدة.

النظام يخاف من حرية التعبير لأنها تهدد أساس وجوده: الخوف.
الخوف هو سلاحه الأول، وهواؤه الذي يتنفسه.


لكننا سنكتب

رغم القمع، سنكتب.
ليس لأننا نعتقد أن الكلمة وحدها تُسقط نظامًا، بل لأننا نرفض أن نكون شهود زور.
نكتب لنحفظ الذاكرة، لنفضح الكذب، لنقول إن هناك من لم يبع صوته، ولا ضميره.

نكتب لأن الصمت خيانة.
لأن كل من سُجن ظلمًا يستحق من يرفع صوته باسمه.
ولأن مصر التي نحبها، لا تشبه هذه النسخة المُعلّبة على شاشات الأخبار.


في الختام

حرية التعبير في مصر ليست بخير، لكن الصوت لم يُكتم بعد.
السلطة تحاصر الكلمة، لكنها لا تستطيع مصادرتها بالكامل.
وهناك دومًا من سيقف ليقول: “لا”، حين يطلبون من الجميع أن يقولوا “نعم”.

نكتب اليوم ونحن نعرف الثمن،
لكننا نؤمن أن الصمت أغلى.


Ahmed Mandor

Ahmed Mandor is a political writer and activist focusing on freedom of expression, authoritarian repression, and the rights of detainees in Egypt. Through his words, he challenges silence and gives voice to the oppressed.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى