Freedom & Democracy
أخر الأخبار

منصات تحت المقصلة كيف أصبحت حرية التعبير في العالم العربي جريمة

حرية التعبير في العالم العربي

في زمن يُفترض أنه عصر الانفتاح والمعلومة الحرة، باتت حرية التعبير في العالم العربي هدفًا مباشرًا للسلطات، لا سيما في الدول التي تحكمها أنظمة استبدادية ذات طابع أمني محض. في هذه البلاد، لم تعد السجون تُبنى لأصحاب السلاح أو الفساد، بل لمن كتب قصيدة، أو نشر رأيًا، أو غرد بكلمات “غير مرغوبة”.

لقد أصبح القلم أخطر من السيف. والمنشور على فيسبوك قد يودي بك إلى المقصلة.

 تركي الجاسر أول من أُعدم بسبب تغريدة

في يونيو 2025، أعدمت السلطات السعودية الصحفي تركي بن عبد العزيز الجاسر، بعد سنوات من إخفائه القسري. لم يُعلن عن محاكمة علنية، ولا عن أدلة مادية. ما جرى أنه كان يدير حسابًا ناقدًا للسلطة على تويتر، يُقال إنه باسم مستعار، وينشر فيه آراء ضد القمع الداخلي وسياسات محمد بن سلمان.

تم تتبع الجاسر، وفق تقارير حقوقية، بعد أن حصلت السلطات على بيانات حسابه من موظفين في مكتب تويتر في دبي. وتم اعتقاله في 2018، حيث تعرض للتعذيب في السجن، ليختفي بعدها تمامًا. ظل اسمه يتردد كـ”شهيد الكلمة” إلى أن تأكد في صيف 2025 أن الحكم عليه بالإعدام قد نُفذ بالفعل.

بهذا، بات الجاسر أول صحفي في العالم العربي يُعدم رسميًا بسبب محتوى نشره على وسائل التواصل.


 جمال خاشقجي منبر واشنطن الذي أرعب القصر

ربما لا توجد قضية أثارت الرأي العام العالمي كما فعلت جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018. الكاتب بصحيفة “واشنطن بوست”، والمعارض السلمي المعتدل، دخل قنصلية بلاده في إسطنبول ولم يخرج منها أبدًا.

ما كشفته التسجيلات التركية، والتقارير الاستخباراتية الدولية، أن اغتياله تم بتوجيهات عليا، بسبب كتاباته التي تنتقد تركيز السلطة، القمع الداخلي، والتطبيع مع إسرائيل. كانت جريمة خاشقجي صدمة للعالم، لكنها لم تغيّر شيئًا في الداخل السعودي، بل أصبح القمع أكثر تنظيمًا، والسكوت الدولي أكثر صمتًا.


 عبد الرحمن يوسف شاعر يُطارَد بالشعر

في أبريل 2024، أوقفت السلطات اللبنانية الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي، بطلب من القاهرة، تمهيدًا لتسليمه. عبد الرحمن، المعروف بنقده اللاذع للسلطة العسكرية في مصر، لم يُدان يومًا بجريمة جنائية، بل كانت جريمته الوحيدة: القصيدة.

هو ابن العلامة يوسف القرضاوي، لكنه ظل دائمًا مستقلًا في مواقفه. كتب ضد حكم مبارك، ورفض الإخوان، وعارض السيسي بشدة. هاجم الاستبداد أينما وجد. لكنه دفع ثمن ذلك بمطاردة دائمة، وتحقيقات ملفقة، حتى لحظة توقيفه في بيروت.

اللافت أن قضيته لم تلقَ صدى في الإعلام الرسمي، بل كان التناول خجولًا، وكأن اعتقال شاعر لا يستحق ضجة.


 قمع رقمي وتجريم إلكتروني

في ظل هذا المشهد، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة صيد مفتوحة. الحكومات لا تكتفي بمراقبة المنشورات، بل باتت تدير جيوشًا إلكترونية كاملة:

  • في السعودية، تغريدة تنتقد الحرب في اليمن، قد تصنفك “إرهابيًا”.

  • في مصر، مشاركة فيديو عن الفساد، قد توصلك إلى الزنزانة بتهمة “بث أخبار كاذبة”.

  • في الإمارات، مجرد إعادة تغريد دعوة لحقوق المعتقلين، تضعك على قوائم الحظر أو الاعتقال الإداري.

تُستخدم قوانين فضفاضة مثل “مكافحة الإرهاب” و”الأمن السيبراني” لتجريم التعبير، ويُعتقل الأشخاص دون مذكرة رسمية، ويُحرمون من محاكمة عادلة أو حتى معرفة التهمة.


 القضاء المسيس والعدالة الغائبة

في معظم هذه الدول، لا يمكن الحديث عن قضاء مستقل. الأحكام معدّة مسبقًا، والتهم جاهزة:
“الانضمام إلى جماعة محظورة
“نشر أخبار كاذبة
“التحريض على قلب نظام الحكم

هي عبارات تُستخدم لقمع أي صوت يخرج عن النص الرسمي. القاضي قد يكون أداة بيد الأجهزة الأمنية، والأحكام تُستغل لزرع الرعب أكثر من تحقيق العدالة.


 الصمت الدولي وازدواجية المعايير

رغم أن منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”مراسلون بلا حدود” تدين هذه الانتهاكات باستمرار، إلا أن الموقف الدولي لا يتعدى الكلمات. الدول الغربية، التي تُفاخر بدفاعها عن حرية التعبير، تقيم شراكات استراتيجية مع ذات الأنظمة التي تُعدم الصحفيين وتعتقل الشعراء.

المال، السلاح، وصفقات الطاقة، تُخرس الضمير العالمي.


 هل من أمل؟

وسط كل هذا السواد، يبقى الأمل في الأصوات الحرة التي لا تزال تكتب وتنشر وتتكلم رغم الخوف. في الصحفيين الذين يفضحون، والمثقفين الذين يواجهون، والمواطنين الذين ما زالوا يكتبون منشوراتهم رغم كل التهديدات.

فما دام هناك من يكتب، هناك مقاومة. وما دام هناك من يُسجن بسبب الكلمة، فالكلمة ما زالت تؤلم جلاديها.


حرية التعبير ليست جريمة، لكنها أصبحت كذلك في أوطان تخشى الحرف أكثر من الرصاص.

Ahmed Magdy

I am an Egyptian software engineer with a passion for history, psychology, and politics. I love my country and believe in freedom, aspiring to see Egypt great and prosperous. I aim to combine my technical expertise with my aspirations for societal progress and achieving freedom and prosperity for my nation.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى